الفن والواقع



 : الفن محاكاة للواقع - أفلاطون

إن الفن لا يحاكي إذن سوى الظاهر، بخلاف الفيلسوف الذي يدرك الحقيقة و يتصل بها كما هي في عالم المثل. و من هنا فقد ذهب أفلاطون إلى أن إنتاج الشعراء يتسم بالضعف و الرداءة، فالمحاكاة لا تخلق بالنسبة إليه سوى ما هو وضيع، إنها لا تنفذ إلى أعماق الأشياء، فالشاعر يمتح من مرجعية لا تخرج عن إطار الصورة أو الظل أي عما هو ظاهري؛ فالعنصر الفاعل في التعامل مع هذه المرجعية يختزل على العموم في الأحاسيس و المشاعر الحيوانية أي المكون السيئ للروح. يقول أفلاطون: “إننا على حق في مهاجمته أي الشاعر و وضعه في المكانة ذاتها التي يوضع فيها الرسام، ذلك لأنه شبيهه في كونه ينجز أعمالا ذات ثمن بخس إذا ماقارناها بالحقيقة، و إنه ليشبهه
افلاطون
أيضا، بينما لا تجمعه أية علاقة بالجانب الأفضل منها”.

و إذا كان أفلاطون يعترض على الفن لإرتباطه بالظاهر دون الحقيقة‘ فإنه يعترض عليه لجملة من أسباب أخرى يمكن اختزالها في ما يلي: أولا: إن الفن و الشعر بصفة خاصة يؤثر تأثيرا سيئا في الطبيعة الإنسانية بما يقدم لها من نماذج ضارة: فالشاعر يفقد شخصيته في شخصيات الآخرين، و لابد أن يكون قد اكتسب شيئا من الشر إذا كان استطاع أن يتحدث بلسان الأشرار و يحسن التعبير عن مواقفهم. أما السبب الثاني فهو أن الشعر يصور الآلهة بصورة غير لائقة: فالشعراء يصفون الآلهة بصفات لو نسبت إلى البشر أنفسهم لما وجدوا فيها ما يشرفهم: إذ تظهر الآلهة لديهم غيورة، منتقمة، لاهية، ساخرة و عابثة بل خليعة في بعض الأحيان. أما أفلاطون فيريد أن تكون للآلهة أفضل صورة ممكنة و لاسيما في أذهان النشء الذين ينبغي أن تضمن لهم الدولة المثلى أفضل تربية. أما السبب الثالث فيعود إلى عدم لقدرة الشعر على تحقيق الهدف المنشود الذي هو تأسيس المدينة الفاضلة و سن القوانين الكفيلة بتحقيق التوازن الاجتماعي؛ و الفلسفة وحدها تستطيع تحقيق هذه المهمة. إن الفيلسوف- في نظر أفلاطون- هو المبدع الوحيد الذي يستطيع خلق أسس متينة تسمح ببناء مجتمع يسوده العدل و باقي الفضائل الأخرى.

و إذا كان أفلاطون قد استخف بالشعر و طرد الشعراء من جمهوريته واعتبر الشعر دون مستوى الفلسفة، فهل سيتبع أرسطو أستاذه في النهج؟ أم أنه سيؤسس لتصور جديد للشعر و لمهمة الشعراء؟ .
ذلك ما سنحاول أن نتعرف عليه من خلال تقديمنا لنظرية المحاكاة عند أرسطو كما صاغها في كتاب”فن الشعر”.
إذا رجعنا إلى الأصل الاشتقاقي لكلمة “فن” اليونانية، لوجدنا أن هذه الكلمة لم تكن تعني سوى”النشاط الصناعي النافع بصفة عامة”، فلم يكن لفظ”الفن” عند اليونان قاصرا على الشعر و النحت والموسيقى و الغناء و غيرها من الفنون الجميلة، بل كان يشمل أيضا الكثير من الصناعات المهنية كالتجارة و الحدادة و البناء وغيرها من مظاهر الإنتاج الصناعي. من هنا نجد أرسطو يدرج الفن ضمن ما يمكن تسميته بالمعارف الإنتاجية التي تعني بصنع الأشياء ، بما في ذلك بناء البيوت و الحصون، و صناعة الملابس والزجاج ، بل كل ما يمكن أن ينتجه الإنسان كوضع القصائد و الخطب.

Share this

Related Posts

Previous
Next Post »